بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا خرج امامنا الحسيم الى كربلا قضية تخفى اسبابها عن فئة ليست بقليله من المسلمين يرجى الاطلاع عليها ولو للحظات بسيطه
ا بسم
الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا
محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين ومن تبعهم بإحسان
إلى قيام يوم الدين...
اخوة
الايمان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.سؤال يمكن طرحه ولطالما طرحه
كثيرون ، لماذا ترك الحسين عليه السلام المدينة المنورة حرم جده المصطفى
وموطنه الاصلي ومن ثم ترك حرم الله مكة المكرمة وخرج منها بعمرة مفردة في
يوم التروية مع علمه بانه مقتول لا محالة كما يدل على ذلك كلامه عليه
السلام ومن قبل كلام جده المصطفى صلى الله عليه واله وسلم وابيه المرتضى
عليه السلام او لم يكن الاجدى به ان يلازم مدينة جده المصطفى ضمن عشيرته
الهاشميين من بني عمومته .ثم الم تكن مكة وفي موسم الحجيج بصورة خاصة
تستطيع ان تؤمن له غطاء بشرياً بل وجغرافية مقدسة يستطيع من خلالها
الانطلاق ضمن دوائر وحلقات اوسع.ام انها كتب اهل الكوفة التي أغرته بالقدوم
اليها، الحق الذي طالما رددناه على مسامع اخوتنا المشاهدين، ان قضية ابي
عبد الله الحسين عليه السلام لم تكن قضية ارتجالية او خاضعة للظروف او
الاسقاطات الزمنية بل كانت هي الزمان وهي الميزان الذي على اساسه تكون
الايقاعات وازنة. فهو الشهيد منذ ولادته وهو الموقوف من السماء على السيف
والشيب الخضيب لا مجال للصدفة في حركته ولا لأحد ان يفرض عليه موقفاً.وبكل
الاحوال فقد فسر العلماء خروج الامام عليه السلام من المدينة ومكة عدة
تفاسير نستعرضها بين ايديكم منها ما اورده صاحب بحار الانوار العلامة
المجلسي حيث قال ما نصه:أن كلاً من الائمة عليهم السلام كان مأموراً بامور
خاصة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسول صلى الله عليه واله وسلم
فهم كانوا يعملون بها ولا ينبغي قياس الاحكام المتعلقة بهم على احكامنا
ولا ينبغي الاعتراض على ائمة الدين في امثال ذلك مع انه مع ثبوت عصمتهم
بالبراهين والنصوص المتواترة لا مجال للاعتراض عليهم بل يجب التسليم لهم في
كل ما يصدر عنهم . وخلاصة هذا الرأي ان للمعصوم دوراً مرسوماً له وعهداً
عُهد اليه به وحيث انه كذلك وبناء على حدود معرفتنا بأن المعصوم مسدد في
افعاله واقواله وبعيد عن الخطأ والسهو والنسيان والغفلة فأن ما يقوم به هو
عين التكليف الواقعي الذي لامراء فيه. وهو رأي حسن جليل ينطلق من معرفة
تامة بمرتبة الامام المعصوم ومنزلته التي وضعه الله بها، ولكن فعل المعصوم
لا ينبغي ان يكون اجنبياً عن فهم الناس ولو على مستوى القلة النخبوية منهم
لان فعله يجب ان يستبطن الحجة وصحيح اننا نسلم له ونذعن لاوامره ونرضخ
لحركته الا ان ذلك لا يمنع ان تكون حجته بمستوى من الظهور والجلاء بحيث
تطمئن له القلوب وتنساق معه النفوس لان المعصوم ليس اجنبياً عن محيطه ولو
كان ذلك المحيط قليل العديد.الرأي الثاني ما ذهب اليه العلامة الشيخ جعفر
التستري حيث قال ما نصه:كان للحسين عليه السلام تكليفان واقعي وظاهري اما
الواقعي الذي دعاه للاقدام على الموت وتعريض عياله للاسر واطفاله للذبح مع
علمه بذلك فالوجه فيه ان بني امية قد اعتقدوا انهم على الحق وان اهل البيت
عليه السلام على الباطل فلو بايع الحسين يزيد وسلم الامر اليه لم يبق من
الحق اثر فان كثيراً من الناس يعتقد بأن المحالفة لبني امية دليل استصواب
رأيهم وحسن سيرتهم واما بعد محاربة الحسين عليه السلام لهم وتعريض نفسه
المقدسة وعياله واطفاله للفوادح فقد تبين لاهل زمانه والاجيال المتعاقبة
احقيته بالامر وضلال من بغى عليه.واما التكليف الظاهري فلأنه سعى في حفظ
نفسه وعياله بكل وجه فقد جد اعداؤه في القاء القبض عليه في المدينة ومكة او
قتله فيهما غيلة ولو وجد متعلقاً باستار الكعبة فالتزم بأن يجعل احرامه
عمرة مفردة ويتوجه خارج مكة الى الكوفة لانهم كاتبوه وبايعوه فالزمه
التكليف بحسب الظاهر الى موافقتهم اتماماً للحجة عليهم لئلا يعتذروا يوم
الحساب بأنهم لجأو اليه واستغاثوا به فلم يغثهم. وقد اجاد الشيخ التستري في
تفصيله هذا حيث بين ان التكليف الظاهري والواقعي للمعصوم ليسا متعارضين
وانماهما في طول بعضهما البعض ، لكنه على عميق رأيه لم يستطع ان يبين الفرق
بين مكة وغيرها طالماان الامام عليه السلام كان يسعى حسب الظاهر لحفظ نفسه
ويبقى بعض الاشكال قائماً.الراي الثالث:اننا لا نشك ان الامام الحسين عليه
السلام كان مقتولاً بكل حال وانه كان يعلم ذلك وقد اخبر اخاه محمد بن
الحنفية بذلك قائلا: والله يا اخي لو كنت في حجر هامة من هوام الارض
لاستخرجوني منه حتى يقتلوني. وكذلك لا نشك ان قرار الامام عليه السلام
بالشهادة كان قد اتخذ منذ زمن بعيد والطريقة التي ارادها لنفسه وعياله كانت
طريقة مرسومة محسومة فقد قال لابن عباس: شاء الله ان يراني قتيلاً وان
يراهن سبايا. بقي اختيار جغرافية المكان التي تؤمن اقصى دوائر الحجية التي
يمثلها المعصوم عليه السلام فلا ريب ان كربلاء كانت محط الرحال ومضجع اولئك
الابطال. ومن المعلوم ايضاً ان الامام الحسين نأى بالحرمين ان يسفك دمه
الشريف فيهما وهو القائل: قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فاكون
الذي يستباح به حرمة هذا البيت .مضافاً الى امكانية ان يضيع دمه الشريف
دون تحقيق الاهداف المتوخاة من شهادته والدور الذي ادخرته السماء له.كل هذا
معلوم مبثوث في بطون الكتب يردده خطباء المنبر الحسيني جزاهم الله عن
الاسلام خير جزاء المحسنين .لكن في خروج الحسين عليه السلام من المدينة
ومكة امراً آخر يمكن اضافته ليضيء بشكل اجلى على الموضوع،ونحن نعلم ان
للحرمين خصوصية كبيرة خاصة للحرم المكي الذي هو حرم الله الآمن وقبلة
المسلمين والمؤمنين وموضع حجهم ومشهد منافعهم الكثيرة وهو مكان يحمل طابعاً
عاماً يعلو فوق كل الخصوصيات الزمانية والشخصانية وغيرها فلو نهض الحسين
عليه السلام في مكة واستبيح دمه فقد استبيح الحرم المذكور اياه بكل تلك
الخصوصيات ، ولكان الحرم بعد الحسين عليه السلام موضعاً لخروج الخارجين
سواء كان خروجهم بحق او بغير حق فيصبح ديدناً استغلال قداسة المكان لمآرب
آنية او شخصية او في الصراع على السلطة او غيرذلك من العناوين وهو امر خطير
في ان تسقط الامة نفسها من خلال اسقاط جغرافية القداسة عندها ومكان
الاجتماع ليصبح مكان افتراق واحتراب ، اذن خروج الحسين عليه السلام عن مكة
كما هو نأي بنفسه ان يسفك دمه هناك فكذلك هو نأي بالمكان عن ان يصبح موضع
استغلال بعد الحسين عليه السلام بحجة التأسي به وجعله مظلة لمشاريع ابسط ما
يمكن ان نقول فيها انها ليست مشاريع عصمة . بعبارة اوضح اذا كان الحسين
عليه السلام على كونه امر الله ورسوله المعصوم ابن المعصوم قد جنب المكان
المقدس حتى من نهضته المباركة المؤيدة من العلي الاعلى فحري ان يفهم
المسلمون الدرس جيداً لانه من دروس كربلاء الخالدة في ان يجنبوا اماكنهم
المقدسة بدءاً من الحرم المكي الى غيره من المقامات والمشاهد الشريفة بل
المساجد الجامعة ان تكون منطلقاً لاي مشاريع سياسية او سلطوية او غير ذلك
لان هذه الاماكن هي لعموم ترسيخ العقيدة الاسلامية ومواطن جمع لا مواطن
افتراق واختلاف.
ولاتنسونا بلدعاء
اســــد الرافدين