البلاء و كربلاء
البلاء يعطي معنى الألم والمشقة كما ويعطي أيضا معنى الاختبار والامتحان.
وأغلبالشداد والمصائب تكون تمحيصا للناس في دنياهم للتمسك بالدين. وكربلاء (كربوبلاء) هي مزيج من المحن والآلام الشديدة، وكانت أكبر اختبار تاريخي لأهلالحق والباطل لأجل أن يحددوا مواقفهم.
لما بلغ سيد الشهداءتلك البقعة، سأل: ما اسم هذا الموضع؟ فقيل له: كربلاء. فدمعت عيناه وراحيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء)) وقد أيقن بأن شهادته هووأصحابه في هذا المكان فقال: ((هذا موضع كرب وبلاء، ها هنا مناخ ركابنا،ومحط رحالنا وسفك دمائنا))(مروج الذهب للمسعودي:59).
كاناختلاط اسم هذه الأرض بالمصائب والشدائد قد نقل من قبل هذا على لسان بعضالأولياء؛ فعيسى عليه السلام عندما مرّ بها بكى وقال: إنها أرب كربوبلاء(بحار الأنوار 253:44).
وحينما كان الحسين طفلا معأمه تحمله أخذه النبي صلى الله عليه وآله وقال: لعن الله قاتلك. فسألتهفاطمة عليها السلام: وأين يقتل ولدي؟ قال: ((موضع يقال له كربلاء وهي داركرب وبلاء علينا وعلى الأمة [الأئمة]))(بحار الأنوار264:44).
إذااعتبرنا كربلاء أرض البلاء، فهي موضع اختبار لإخلاص وفداء ومحبة أبيعبدالله عليه السلام وأهل بيته وأصحابه الذين تجلى جوهرهم الذاتي وبعدهمالرفيع ومدى صدق عقيدتهم وادعائهم، في بوتقة الآلام والشهادة والمحنوالمصائب. وظهرت فيها أيضا ماهية أهل الكوفة وأدعياء نصرة الحسين، وانكشفتمن خلالها حقيقة الحكام الأمويين تجاه سبط الرسول وحجة الله.
وقدأشار أبو عبدالله عليه السلام إلى دور البلاء في اكتشاف جوهرة التدين،ومدى الالتزام في خطابه في منزل يقال له ((ذي حسم)) أو في كربلاء -وفقرواية أخرى- حين قال: ((...إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهميحوطونه ما درت معايشهم فإن محصوا بالبلاء قل الديانون))(تحف العقول:245).
وأيامتحان أشد من أن يرى حجة الله وهو محاصر من قبل أعدائه وهم يخذلونه طمعافي مغانم دنيوية أو خوفا من الموت. وعندما كان الإمام يطلب النصرة طوالمسيره ولا يلقى منهم رغبة في الجهاد أو قدرة على التضحية، كان يأمرهمبالابتعاد عن المنطقة ويقول: ((فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ولا ينصرنا إلا(هلك) أكبه الله في نار جهنم))(أنساب الأشراف174:3،بحار الأنوار379:44).
إضافةإلى ما تضمنته كربلاء من امتحان عظيم، فقد كانت في الوقت نفسه سببا للتقربمن الله وعلو الدرجة، كما اختُبر إبراهيم وإسماعيل بأمر الذبح، وكما أُمرإبراهيم بأن يترك ذريته بواد غير ذي زرع. واختبره الله أيضا بنار نمرودحين ألقي في سعيرها.
وقدم سيد الشهداء أيضا اثنين وسبعينقربانا إلى مسلخ العشق، وكان هو الذبح العظيم، وقربان آل الله، وتعرّضعياله في صحراء الطف لصنوف الأذى والعذاب والعطش.
وخرجوا كلهم منذلك الاختبار بوجوه وضاءة، وكان كلام سيد الشهداء في اللحظات الأخيرةدليلا على الرضا والتسليم: ((إلهي رضا لقضائك وتسليما لأمرك)).
وكانفي كلام فاطمة بنت الإمام الحسين إشارة إلى أن كربلاء كانت موضع ابتلاءلأمة الرسول وللعترة، ففشل فيها الآخرون، وأبلى فيها آل الرسول بلاء حسنا:((فإنا أهل البيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا))(رياضالقدس341:2).
وهكذا يمكن أيضا النظر إلى عاشوراء من زاوية((البلاء)) واعتبار ((الابتلاء)) تمهيدا لتجسيد البعد الإلهي لشهداء سبيلالله. وعلى زائر الحسين أن يجسد قي ذهنه صورة لجميع أنواع البلاء والشدائدوالمصائب والخوف والعطش، وأن كربلاء أرض كرب وبلاء.